التخطي إلى المحتوى الرئيسي

السائحات والحجارة

 #مثاني_القرآن_فيض 

١- ﴿وَإِن كُنتُم في رَيبٍ مِمّا نَزَّلنا عَلى عَبدِنا فَأتوا بِسورَةٍ مِن مِثلِهِ وَادعوا شُهَداءَكُم مِن دونِ اللَّهِ إِن كُنتُم صادِقينَ۝فَإِن لَم تَفعَلوا وَلَن تَفعَلوا فَاتَّقُوا النّارَ الَّتي وَقودُهَا النّاسُ وَالحِجارَةُ أُعِدَّت لِلكافِرينَ۝وَبَشِّرِ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُم جَنّاتٍ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ كُلَّما رُزِقوا مِنها مِن ثَمَرَةٍ رِزقًا قالوا هذَا الَّذي رُزِقنا مِن قَبلُ وَأُتوا بِهِ مُتَشابِهًا وَلَهُم فيها أَزواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُم فيها خالِدونَ۝إِنَّ اللَّهَ لا يَستَحيي أَن يَضرِبَ مَثَلًا ما بَعوضَةً فَما فَوقَها فَأَمَّا الَّذينَ آمَنوا فَيَعلَمونَ أَنَّهُ الحَقُّ مِن رَبِّهِم وَأَمَّا الَّذينَ كَفَروا فَيَقولونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثيرًا وَيَهدي بِهِ كَثيرًا وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الفاسِقينَ۝الَّذينَ يَنقُضونَ عَهدَ اللَّهِ مِن بَعدِ ميثاقِهِ وَيَقطَعونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يوصَلَ وَيُفسِدونَ فِي الأَرضِ أُولئِكَ هُمُ الخاسِرونَ﴾ [البقرة: ٢٣-٢٧]

٢- ﴿إِن تَتوبا إِلَى اللَّهِ فَقَد صَغَت قُلوبُكُما وَإِن تَظاهَرا عَلَيهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَولاهُ وَجِبريلُ وَصالِحُ المُؤمِنينَ وَالمَلائِكَةُ بَعدَ ذلِكَ ظَهيرٌ۝عَسى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبدِلَهُ أَزواجًا خَيرًا مِنكُنَّ مُسلِماتٍ مُؤمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبكارًا۝يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا قوا أَنفُسَكُم وَأَهليكُم نارًا وَقودُهَا النّاسُ وَالحِجارَةُ عَلَيها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعصونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُم وَيَفعَلونَ ما يُؤمَرونَ﴾ [التحريم: ٤-٦]

_______________

● لم ترد جملة (وقودها الناس والحجارة ) إلا في هذين الموضعين 

● مناسبتها في الموضع الأول بالآية السابقة عليها وهي تتحدث عن القرآن الكريم أن القرآن لو نزل على جبل لتصدع وخشع فمن لم يخشع كان أسوأ من الحجارة فحق له أن يجمع بها في جهنم  

ومناسبتها بالسياق كله هو الخروج عن حكم المادة لحكمة الله وفعله .فجنس حروف القرآن من جنس حروفكم لكنكم لن تستطيعوا أن تأتوا بمثله . وجمعت الحجارة بمن قلوبهم قاسية خروجا عن حكم المادة للتشابه بين قسوة قلوبهم وبين الحجارة . وتشابهت الثمار شكلا لكن الطعوم اختلفت 

ومناسبة ذلك بالقرآن أنه متشابه لكن المعاني مختلفة . والله يضرب مثلا بالبعوضة فما فوقها والعبرة لا تتوقف على جنس الشيء المضروب به المثل وإنما حكمته . والقرآن مادة الهدى لكن الله يضل به من يشاء ويهدي من يشاء . وأول صفات من يضلهم الله بالقرآن نقض العهد مع الله . ومناسبته للحجارة قوله تعالى (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية) 

● الموضع الثاني عن الإنابة والتوبة والتواضع . 

فخاطب الله تبارك وتعالى أمنا عائشة وحفصة (إن تتوبا إلى الله ) أي من إيذاء نبيه (فقد صغت قلوبكما) أي مالا للحق والاعتراف والإقرار ولم يتصلبا ويحرنا . 

وتواضعن يا زوجات النبي . فإنه قد يزوجه ربه من هن خيرا منكن قلبا وقالبا . 

ومن صفاتهن القلبية أنهن قانتات أي خاشعات .. تائبات .. ثم هن غير متعلقات بالدنيا فيكن بذلك أقل منازعة إذ هن عابدات سائحات .. والسائحات هن المغادرات للدنيا بقلوبهن وفكرهن . قال البقاعي : ({ﺳﺎﺋﺤﺎﺕ} 

ﺃﻱ ﻣﺘﺼﻔﺎﺕ ﺑﺼﻔﺎﺕ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﺨﻠﻲ ﻋﻦ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭاﻻﺳﺘﻐﺮاﻕ ﻓﻲ اﻵﺧﺮﺓ ﺑﻤﺎ ﺃﺩﻧﺎﻩ اﻟﺼﻴﺎﻡ )

وقال سيد قطب (ﻭاﻟﺴﻴﺎﺣﺔ ﻭﻫﻲ اﻟﺘﺄﻣﻞ ﻭاﻟﺘﺪﺑﺮ ﻭالتفكر ﻓﻲ ﺇﺑﺪاﻉ اﻟﻠﻪ ﻭاﻟﺴﻴﺎﺣﺔ ﺑﺎﻟﻘﻠﺐ ﻓﻲ ﻣﻠﻜﻮﺗﻪ. )

ومضادة السياحة للحجارة تأتي من الإخلاد للأرض في الحجارة و في محب الدنيا على الآخرة . كما قال تبارك وتعالى ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا ما لَكُم إِذا قيلَ لَكُمُ انفِروا في سَبيلِ اللَّهِ اثّاقَلتُم إِلَى الأَرضِ أَرَضيتُم بِالحَياةِ الدُّنيا مِنَ الآخِرَةِ فَما مَتاعُ الحَياةِ الدُّنيا فِي الآخِرَةِ إِلّا قَليلٌ﴾ [التوبة: ٣٨]

ولذا جاء في الحديث الشريف (سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله ) أي تلك رهبنتهم وتنسمهم للآخرة .

ثم جاء ذكر النار التي وقودها الناس والحجارة والدعوة لوقاية النفس والأهل منها . 

                                   والله أعلم  



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

(سيجعل لهم الرحمن ودا)

 جاء في سورة مريم  ﴿لقد أحصاهم وعدهم عدا۝وكلهم آتيه يوم القيامة فردا۝إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا۝فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا﴾ [مريم: ٩٤-٩٧] كان الاقتران والمقابلة بين من يأتي فردا وحيدا وبين من يكون له الود يوم القيامة بعكس فردانية الأول من البديهيات في ذهني بدون  مراجعة  التفاسير. ثم راجعت تفاسير السلف فوجدتهم يفسرونها بالمودة في الدنيا التي يجعلها الله في قلوب الناس للمؤمن إلا ما ذكره الفخر الرازي عن أبي مسلم أن المودة أخروية ورده الرازي ولم يلاحظ الآية قبلها ولم يحتج بها أبو مسلم فيما ذكره الرازي . وكان الرازي خليق بملاحظة ذلك لولا رواية الترمذي عن الرسول صلى الله عليه وسلم والتي فيها تفسير الآية بالمودة في الدنيا التي يضعها الله في قلوب الناس للمؤمن . وهي زيادة شاذة  ثم وقفت على قول الطاهر بن عاشور في تفسيره  (ﺇﻥ اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا ﻭﻋﻤﻠﻮا اﻟﺼﺎﻟﺤﺎﺕ ﺳﻴﺠﻌﻞ ﻟﻬﻢ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻭﺩا (96) ﻳﻘﺘﻀﻲ اﺗﺼﺎﻝ اﻵﻳﺎﺕ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﺒﻌﺾ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ اﻵﻳﺔ ﻭﺻﻒ ﻟﺤﺎﻝ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻳﻮﻡ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺑﻀﺪ ﺣﺎﻝ اﻟﻤﺸﺮﻛﻴﻦ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﺣﺎﻝ ﺇﺗﻴﺎﻧﻬﻢ ﻏﻴﺮ ﺣﺎﻝ اﻧﻔﺮاﺩ ﺑﻞ ﺣﺎﻝ ﺗﺄﻧﺲ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﺒﻌﺾ. ﻭﻟﻤﺎ ﺧﺘﻤﺖ ا

(فنسي)

 #مثاني_القرآن_فيض  #مثاني_السور_فيض  ١- ﴿فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي۝قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري۝فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي﴾ [طه: ٨٦-٨٨] ٢- ﴿فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما۝ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما﴾ [طه: ١١٤-١١٥] ___ __ __ ___ __ __  ● لم ترد كلمة (فنسي)  في القرآن الكريم إلا في هذين الموضعين من سورة طه  ● الجامع بين الموضعين هو الحديث عن نسيان المتحقق الواقع الذي يدعم صدق الوعد المقبل جريا وراء  موهوم موخوم لا دليل عليه .  فبنو إسرائيل نجاهم الله من فرعون وعاشوا المعجزة الكبرى ونزل الله عليهم المن والسلوى ثم وعدهم بإنزال التوراة بعد تلك المعجزة فوجب عليهم أن يوقنوا بعدما عاينوا من فضل ربهم وقدرته . لكنهم فتنوا بالعجل واستعجلوا أمر ربهم ووعده . واتخذوا عجلا لا ينفعهم ولم ينفعهم في شيء ولم يسبق لهم منه أي فضل أو خير  وك