سرّ القسم في أول سورة الطور
_____
آيات القسم في بداية السور القرآنية آيات مبينة بفتح الياء المشددة وكسرها شأنها شأن باقي آيات القرآن الكريم كما قال تعالى {لقد أنزلنا إليكم آيات مبينات} بفتح الياء من مبينات وكسرها على القرائتين . أي أنها تفسر الآيات التي تليها , والآيات التي تليها تفسرها . من ذلك سورة الطور
قال الله جل شأنه {والطور (1) وكتاب مسطور (2) في رق منشور (3) والبيت المعمور (4) والسقف المرفوع (5) والبحر المسجور (6) إن عذاب ربك لواقع (7) ما له من دافع (8)} لدينا هنا خمسة أمور أقسم الله بها ويظهر السر في اختيارها من قول الله تعالى {فويل يومئذ للمكذبين (11) الذين هم في خوض يلعبون (12)} حيث تمثل هذه الخمسة قمة الجدية والبعد عن الهزل واللعب بينما هؤلاء اللاعبون لا يعبأون . فالطور هو الجبل الذي تجلى الله عنده لموسى كليمه وآتاه الألواح وأنزل عليه التوراة . وهذا حدث هائل لا يتصور مدى مسوخة من يتجاهله متجها للعب واللهو ولذا جاء التعقيب أيضا بذكر الخوض في اللعب في نفس القضية في سورة الأنعام {وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون (91) }
– والكتاب المسطور في الرق المنشور هو كتاب المقادير اليومية التي تنصب في الألواح لتعرف الملائكة مقادير الخلائق ويتجه كل فريق منهم لممارسة أعماله وهو حدث ضخم وشغل عظيم كل قرية فكل مدينة وكل حي وكل دولة وكل أنثى وما تحمل وكل مريض وتصريف الرياح والأمطار والمعارك والأذكار والطيور والحيوانات والنباتات والحشرات وما لا يحصى من الخلائق . ثم {هم في خوض يلعبون}
– والبيت المعمور كل يوم يدخله سبعون ألف ملك لا يعودون إلى يوم القيامة أعداد ضخمة وفرصة لهم وحيدة طول عمرهم . ثم هم يلعبون
– السقف مرفوع بغير عمد أي أنه ممسك دائما حالة إمساك مستديمة {إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا} أي أنها ميالة للسقوط , والبحر مسجور أيضا أي ممسوك والساجور ما يوضع حول عنق الحيوان ليمسكه أي أنه ميال أيضا للاندفاع وخاصية الاستطراق ولو ترك لأغرق الأرض والمعنى أن الانسان في مهب الريح لولا إمساك الله للسماء والأرض والبحر فما باله مطمئن بغير الله ما باله مع كل هذا الخطر في خوض يلعب
*وتعالج سورة الدخان هذا المعنى على قصرها ثلاث مرات مرة بالتهديد
ومرة ببيان ضآلة هؤلاء عن السماء والأرض
ومرة بتنزيه الله عن أن يخلق هذا الخلق العظيم لهوا ولعبا
{بل هم في شك يلعبون (9) فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين (10) يغشى الناس هذا عذاب أليم (11) ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون (12) أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين (13) ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون (14) إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون (15) يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون (16)}
– ثم في الموضع الآخر {فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين (29) }
– ثم في الموضع الثالث { وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين (38) ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون (39)}
جاء في سورة مريم ﴿لقد أحصاهم وعدهم عداوكلهم آتيه يوم القيامة فرداإن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودافإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا﴾ [مريم: ٩٤-٩٧] كان الاقتران والمقابلة بين من يأتي فردا وحيدا وبين من يكون له الود يوم القيامة بعكس فردانية الأول من البديهيات في ذهني بدون مراجعة التفاسير. ثم راجعت تفاسير السلف فوجدتهم يفسرونها بالمودة في الدنيا التي يجعلها الله في قلوب الناس للمؤمن إلا ما ذكره الفخر الرازي عن أبي مسلم أن المودة أخروية ورده الرازي ولم يلاحظ الآية قبلها ولم يحتج بها أبو مسلم فيما ذكره الرازي . وكان الرازي خليق بملاحظة ذلك لولا رواية الترمذي عن الرسول صلى الله عليه وسلم والتي فيها تفسير الآية بالمودة في الدنيا التي يضعها الله في قلوب الناس للمؤمن . وهي زيادة شاذة ثم وقفت على قول الطاهر بن عاشور في تفسيره (ﺇﻥ اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا ﻭﻋﻤﻠﻮا اﻟﺼﺎﻟﺤﺎﺕ ﺳﻴﺠﻌﻞ ﻟﻬﻢ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻭﺩا (96) ﻳﻘﺘﻀﻲ اﺗﺼﺎﻝ اﻵﻳﺎﺕ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﺒﻌﺾ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ اﻵﻳﺔ ﻭﺻﻒ ﻟﺤﺎﻝ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻳﻮﻡ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺑﻀﺪ ﺣﺎﻝ اﻟﻤﺸﺮﻛﻴﻦ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﺣﺎﻝ ﺇﺗﻴﺎﻧﻬﻢ ﻏﻴﺮ ﺣﺎﻝ اﻧﻔﺮاﺩ ﺑﻞ ﺣﺎﻝ ﺗﺄﻧﺲ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﺒﻌﺾ. ﻭﻟﻤﺎ ﺧﺘﻤﺖ ا
تعليقات
إرسال تعليق