2_ تأمل سريع لسورة الفرقان
6- نقارن بين موضع سورة الإسراء المشابه لما ورد في سورة الفرقان فنستفيد التأكيد لما ذكرته من المناسبة بين حشر الكافرين على وجوههم إلي جهنم وذكر لفظ جهنم وبين ذكر غرق قوم فرعون وقوم نوح وتغشية قوم لوط بالحجارة
حيث جاء في سورة الفرقان قوله تعالى ( ﴿الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا وأضل سبيلاولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيرافقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم تدميرا﴾
[الفرقان: 34-36]
وفي سورة الإسراء ﴿ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيراذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا أإذا كنا عظاما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديداأولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه فأبى الظالمون إلا كفوراقل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتوراولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحوراقال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورافأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعا﴾
[الإسراء: 97-103]
وذلك تأكيد متين
7- طلبات المشركين في الفرقان والإسراء متشابهة في طلب نزول الملائكة وامتلاك النبي للجنة والثمار والأنهار . لكن زادت في الإسراء طلب الهلاك والرقي في السماء ويوضح علة ذلك قوله تعالى في سورة الفرقان (بل كذبوا بالساعة) أي أن علة طلباتهم لك هي التكذيب بالساعة ووسعها . فهم لو آمنوا بالساعة لما احتقروا الإنسان أن ينزل عليه وحي مطالبين بالملاك . لأن الساعة معناها عظم قدر هذا الإنسان من حيث إفناء الوجود لمحاسبته وبعثه ومن حيث خلوده في نعيم مقيم كبير عظيم حيث لا موت ولا فناء ولا انقطاع .
ولو آمنوا بالساعة لما قصروا تقييمهم على ثروات الدنيا واستضخموا قدرها قال تعالى (وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ) فالتكذيب بالجنة يضخم قدر المال في قلب الإنسان
ولكن موضع سورة الإسراء جاء مزيد بيان لهذه المسألة (أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه فأبى الظالمون إلا كفوراقل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتوراولقد آتينا موسى تسع آيات بينات)
بمعنى لو كان العطاء الواسع بالنسبة لله يمثل مشكلة أو ضخامة لما خلق السماوات والأرض بهذا الوسع وتلك الوفرة الزائدة على حاجة البشر أضعافا مضاعفة بل وخلق حيوانات ترزق في مساحات شاسعة لا علاقة للإنسان بها . فهل يعطي ذلك العطاء الزائد لغير حكمة ؟ أم الأولى أن تكون لحكمة بيان القدرة وإغراء بالإنعام وجذبا للقلوب وإذا كان بهذا الكرم فلم يتوقف هذا الكرم عليكم؟
أن تفهموا ذلك خاصة وأنكم لو تملكون لأمسكتم خشية الإنفاق وقترتم . وقد بين الله سبحانه علة الجنة والخلود فيها ووسعها في آخر سورة الرحمن بما يقابل لفظة قتور هنا فقال (تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام) نعم فالإكرام صفته وفعله .
ثم ذكر سبحانه من نماذج كرمه ما أعطاه لموسى عليه السلام من تسع آيات بينات وليس آية واحدة أو آيتين
.
وقد جاء في سورة الفرقان نماذج من هذا الإكرام والعناية والإنفاق تلاه بيان القدرة بعكس سورة الإسراء هنا حيث تقدم بيان القدرة على ذكر الإكرام وخزائن الرحمة .
﴿ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلاثم قبضناه إلينا قبضا يسيراوهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشوراوهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورالنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا﴾
[الفرقان: 45-49]
فمد الله ظل الأشياء حتى لتكون ضعفي طول الشاخص . ثم جعل الشمس التي هي مصدر الأذى في تلك الحالة دليلا على الظل المنتفع به .. والذي يتقى به حرورها ثم جعل تقلص الظل بطيئا يسيرا غير مفاجئ ليطول الانتفاع به . فبلغت الرعاية ذلك التفصيل والتعبير بقوله تعالى ثم قبضناه إلينا يشير لامتلاك الله لتلك الأعراض التي لا تمسك ولا يظن أن لها ذوات مستقلة . وجاء ذكر الأنعام الكثيرة والأناسي الكثير التي تسقى.. من وافر الماء الطهور لتؤكد المعنى الذي ذكرته
…
ثم جاء ذكر القدرة الفائقة بعد ذكر العناية الفائقة
﴿وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجوراوهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا﴾
[الفرقان: 53-54]
فالبحران غير مستويين طعما وهما ماء . ثم هما لا يختلطان عند التقائهما المندفع مع أنهما لطيفين . والحاجز بينهما قوي شديد المنع (بزخا وحجرا محجورا)
وخلق أيضا من الماء أنواعا ترى متشابهة لكن بينها فوارق وحجر محجور فالزوجة كالأخت في البناء الجسدي ولكن شتان شتان بينهما من حيث ما يحل و ما لا يحل في الشرع والخلق والطبع
..
8- ومن الفوارق بين موضع الإسراء وسورة الفرقان قوله تعالى في سورة الفرقان ( ﴿لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيراولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفوراولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرافلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا﴾
[الفرقان: 49-52]
حيث شبه سبحانه وتعالى تصريف الماء في البلاد والقرى بتصريف القرآن الكريم وهو يقارب مثلا جاء في سورة الرعد (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها ) ثم يبين سبحانه أن هذا يغني عن إرسال نذير لكل قرية فدعك من مجادلتهم وجاهدهم بالقرآن جهادا كبيرا . فتقدم هنا ذكر الماء على ذكر القرآن والعلاقة هي المشابهة والتمثيل
بينما في سورة الإسراء تقدم ذكر القرآن وكانت العلاقة هي العجائبية والإعجاز
( ﴿قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفوراوقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا﴾
[الإسراء: 88-90]
وما تفجر من القرآن أعجب من تفجر ينبوع الأرض . وكذلك ذهابه أصعب من ذهابه وإن كان كل منهما لو ذهب لا يعيده الا الله ففي الآية قبل هذه الآيات (ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك علينا وكيلا) وفي سورة الملك (قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين)
لكن الفارق كبير لو يعقلون
تعليقات
إرسال تعليق