قال الله تعالى { ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا (11)} هذه آية محورية، تأثيرها التفسيري يمتد للآيات قبلها وللآيات بعدها
أما الآيات قبلها فإن الله قد قضى إلى بني إسرائيل في الكتاب الذي يمن به عليهم ومن غير المعقول أن يكون ما يقضيه إليهم في الكتاب الذي يمن به عليهم إلا خيرا، والخير المذكور أنه لن يتركهم يتجبرون ويطغون وإنما سيرحمهم بأن يذيقهم بأس عباد لله أولي بأس شديد ثم سيعطيهم كرة أخرى ويمددهم بأموال وبنين ونفير، يتداركهم برحمته بعدها إذا طغوا بنفس العباد الذين سيتبرون ما علوا تتبيرا {وليتبروا ما علوا تتبيرا (7) عسى ربكم أن يرحمكم} وهذا مثال لرحمة الله وتدبيره الكائنان في المصائب والتي لا ينبغي للإنسان أن يدعو بالشر والموت على نفسه من شدة ضيقه بها، وإنما يصبره أيضا ما جاء في الآيتين قبلها من تبشير المؤمنين بالأجر الكبير، وتبشير المتعجلين الذين لا تمتد أنظارهم إلى دار تسمى (الآخرة) يؤخر فيها النعيم المقيم والعذاب الأليم وفي السورة { من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا (18)}
أما ما بعدها فهو قول الله تعالى (وجعلنا الليل والنهار آيتين ) وعلاقتها بعدم العجلة أنهما نموذج للمرور ودلالة عليه .كما قال الشاعر
جذب الليالي أبطئي أو أسرعي
أفناه قيل الله للشمس اطلعي
حتى إذا واراك أفق فارجعي
وكما قال تعالى (وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر) والتذكرة منها انتهاء الدنيا وتحكم الله في الخلق . كما قال الله تعالى (ثم يجعله حطاما إن في ذلك لذكرى ﻷولى اﻷلباب) أي انتهاء زهوة الزرع واصفراراه ثم تحطمه نموذج نستشعﻻ منه مرور الدنيا . وقد أشار القرآن لدلالة تقلب أحوال الليل والنهار على مجيء اﻵخرة وأحوالهع في قول الله تعالى (فلا أقسم بالشفق. والليل وما وسق . والقمر إذا اتسق . لتركبن طبقا عن طبق)
والمقصود أن علاقة قول الله تعالى (وكان اﻹنسان عجولا) بقوله جل شأنه (وجعلنا الليل والنهار آيتين ) أن مرورهما يدعو اﻹنسان لعدم العجلة . وقد جاء التعبير بلفظة العاجلة كوصف للدنيا مع وصف اﻹنسان بالعجول . ومما يناقض العجلة ما جاء في قوله تعالى (ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا . إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا) فوصف الليل بالطويل واتخاذه مجالا للتسبيح يناقض حالة المغترين بالعاجلة .
وجاء لفظ العاجلة في سورة القيامة معاكسا لعجلة النبي صلى الله عليه وسلم (لا تحرك به لسانك لتعجل به . إن علينا جمعه وقرآنه . فإذا قرأناه فاتبع قرآنه . ثم إن علينا بيانه . كلا بل تحبون العاجلة. وتذرون اﻵخرة ) وهي نصيحة غالية للدعاة وﻷهل الخير وطلبةةالعلم أن لا تدفعهم محبتهم الغالبة وشعورهم الجارف للدعوة وللحق والخير . للعجلة ولسلوك ما لا يليق . وأن اﻷمور لها زمام وم ومستقر . بيد من له مقاليد السماوات واﻷرض . بل يلزموا الحكمة والهدوء والتعزز بالله على نضوب اﻵلات والوسائل فهو الرزاق وهو المبلغ البالغ أمره بما شاء وكيف شاء .
أما علاقة ذكر إهلاك الظالمين بالعجلة وذكر نوح عليه السلام . فهي استعجال الكافرين بالعذاب استبعادا له واستبطاء المؤمنين للنصر وله علاقة أيضا بذكر الليل والنهار ( ﴿ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله إن الله لعفو غفورذلك بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وأن الله سميع بصير﴾
[الحج: 60-61]
وقد جاء ذكر قيام الليل مع هلاك الظالمين لو أراد الله مع النهي عن الاستجابة للهفة الدعوة والمحبة الجارفة لهداية الناس بما يخالف الحق في سورة اﻹسراء
﴿وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلاولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلاإذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراوإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلاسنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلاأقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محموداوقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا﴾
[الإسراء: 73-80]
نعم. المدخل اللائق المستقر الصادق والمخرج اللائق المستقر الصادق مع السلطان النصير من لدن الله حيث لا انحصار فيما هو موجود وممنوع . من لدنه حيث لا يحيط عقل بشر ولا يبلغه نظر فعنده
خفي اللطف و محكم التدبير
تعليقات
إرسال تعليق