#مثاني_القرآن_فيض
وردت جملة (عبد الله) في القرآن الكريم مرتين فقط
أولاهما عن التلقي للهبات والاصطفاء والوصايا من الله تبارك وتعالى
والثانية عن التوجه لله سبحانه وتعالى
١- ﴿فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياقال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياوجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياوبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقياوالسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا﴾ [مريم: ٢٩-٣٣]
وهو موضع عجيب في بيان معنى العبودية (عبد الله آتاني)
كقول الله تعالى عن الخضر عليه السلام (فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه)
أن تكون عبدا لله معناه أن تكون محل أعطياته
ومن أعظم ما ذكرته الآيات ما أعطيه عيسى عليه السلام من تمام العبودية وحفظها وهو البر بوالدته وعدم التجبر . فالبر بوالدته إقرار بضعفه السابق وعدم نسيان له حين كان رضيعا عاجزا لا يعقل توفرت له تلك الأنثى الضعيفة لترعاه
وعدم الجبروت منع من الاغترار بالشباب والفتوة والذكاء
وبذلك تحفظ عليه تلك النعمة الكبرى
نعمة العبودية (ما دمت حيا)
٢- ﴿وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداوأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبداقل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحداقل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشداقل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحداإلا بلاغا من الله ورسالاته ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا﴾ [الجن: ١٨-٢٣]
كادوا يطمرونه باجتماعهم عليه مستنكرين أن يدعوا الله وحده (قل إنما أدعو ربي) فما العجب .
وآية (قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا) تمنع من تغيير المنهج أو التنازل عن بعضه لكي يهتدي الناس .. فالمنهج ليس ملك الداعية وهداية الناس ليست في قدرته إنما هو عبد مبلغ لعبيد الله ليس له من الأمر شيء
ثم إنه إذا فعل ذلك فلن يجيره من الله أحد من الناس الذين ضل لأجلهم ولن يجد عندهم ملجأ يحميه من عذاب الله وغضبه
سيبلغ كما أمر ومن عصى فلن يحميه أحد من عذاب جهنم
قال الطاهر بن عاشور (ﻭﺟﻤﻠﺘﺎ ﻗﻞ ﺇﻧﻲ ﻟﻦ ﻳﺠﻴﺮﻧﻲ ﺇﻟﻰ ﻣﻠﺘﺤﺪا ﻣﻌﺘﺮﺿﺘﺎﻥ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺴﺘﺜﻨﻰ ﻣﻨﻪ ﻭاﻟﻤﺴﺘﺜﻨﻰ، ﻭﻫﻮ اﻋﺘﺮاﺽ ﺭﺩ ﻟﻤﺎ ﻳﺤﺎﻭﻟﻮﻧﻪ ﻣﻨﻪ ﺃﻥ ﻳﺘﺮﻙ ﻣﺎ ﻳﺆﺫﻳﻬﻢ ﻓﻼ ﻳﺬﻛﺮ اﻟﻘﺮﺁﻥ ﺇﺑﻄﺎﻝ ﻣﻌﺘﻘﺪﻫﻢ ﻭﺗﺤﻘﻴﺮ ﺃﺻﻨﺎﻣﻬﻢ، ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﻭﺇﺫا ﺗﺘﻠﻰ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺁﻳﺎﺗﻨﺎ ﺑﻴﻨﺎﺕ ﻗﺎﻝ اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﺮﺟﻮﻥ ﻟﻘﺎءﻧﺎ اﺋﺖ ﺑﻘﺮﺁﻥ ﻏﻴﺮ ﻫﺬا ﺃﻭ ﺑﺪﻟﻪ ﻗﻞ ﻣﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻲ ﺃﻥ ﺃﺑﺪﻟﻪ ﻣﻦ ﺗﻠﻘﺎء ﻧﻔﺴﻲ ﺇﻥ ﺃﺗﺒﻊ ﺇﻻ ﻣﺎ ﻳﻮﺣﻰ ﺇﻟﻲ ﺇﻧﻲ ﺃﺧﺎﻑ ﺇﻥ ﻋﺼﻴﺖ ﺭﺑﻲ ﻋﺬاﺏ ﻳﻮﻡ ﻋﻈﻴﻢ
[ ﻳﻮﻧﺲ: 15] )
وقال الماتريدي :(فكأنهم ﻃﻠﺒﻮا ﻣﻨﻪ ﺗﺮﻙ ﺗﺒﻠﻴﻎ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺇﻟﻰ ﻗﻮﻡ، ﺃﻭ ﻛﺘﻤﺎﻥ ﺷﻲء ﻣﺎ ﺃﻣﺮ ﺑﺈﻇﻬﺎﺭﻩ، ﺃﻭ ﻣﺤﺎﺑﺎﺓ ﺃﺣﺪ ﻣﻦ اﻷﺟﻠﺔ، ﻓﺄﻣﺮ ﺃﻥ ﻳﺨﺒﺮﻫﻢ ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﺠﻴﺮﻩ ﺃﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻭﻻ ﻳﺠﺪ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻣﻠﺠﺄ ﺇﻥ ﻓﻌﻞ ﺫﻟﻚ، ﺳﻮﻯ ﺃﻥ ﻳﺒﻠﻎ ﺭﺳﺎﻻﺕ ﺭﺑﻪ؛ ﻓﻴﺠﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﻋﺬاﺑﻪ؛ ﻭﻳﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﻋﻨﺪﻩ ﻣﻠﺠﺄ؛ ﺇﻥ ﻓﻌﻞ)
ويقول سيد قطب (ﺇﻥ اﻷﻣﺮ ﻟﻴﺲ ﺃﻣﺮﻱ، ﻭﻟﻴﺲ ﻟﻲ ﻓﻴﻪ ﺷﻲء ﺇﻻ اﻟﺘﺒﻠﻴﻎ، ﻭﻻ ﻣﻔﺮ ﻟﻲ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺘﺒﻠﻴﻎ. ﻓﺄﻧﺎ ﻣﻄﻠﻮﺏ ﺑﻪ ﻣﻦ اﻟﻠﻪ ﻭﻟﻦ ﻳﺠﻴﺮﻧﻲ ﻣﻨﻪ ﺃﺣﺪ، ﻭﻟﻦ ﺃﺟﺪ ﻣﻦ ﺩﻭﻧﻪ ﻣﻠﺠﺄ ﻳﻌﺼﻤﻨﻲ، ﺇﻻ ﺃﻥ ﺃﺑﻠﻎ ﻭﺃﺅﺩﻱ! ﻳﺎ ﻟﻠﺮﻫﺒﺔ! ﻭﻳﺎ ﻟﻠﺮﻭﻋﺔ! ﻭﻳﺎ ﻟﻠﺠﺪ! ﺇﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﺗﻄﻮﻋﺎ ﻳﺘﻘﺪﻡ ﺑﻪ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺪﻋﻮﺓ. ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺘﻜﻠﻴﻒ. اﻟﺘﻜﻠﻴﻒ اﻟﺼﺎﺭﻡ اﻟﺠﺎﺯﻡ، اﻟﺬﻱ ﻻ ﻣﻔﺮ ﻣﻦ ﺃﺩاﺋﻪ. ﻓﺎﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﻭﺭاﺋﻪ! ﻭﺇﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ اﻟﻠﺬﺓ اﻟﺬاﺗﻴﺔ ﻓﻲ ﺣﻤﻞ اﻟﻬﺪﻯ ﻭاﻟﺨﻴﺮ ﻟﻠﻨﺎﺱ. ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ اﻷﻣﺮ اﻟﻌﻠﻮﻱ اﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺘﻠﻔﺖ ﻋﻨﻪ ﻭﻻ اﻟﺘﺮﺩﺩ ﻓﻴﻪ! ﻭﻫﻜﺬا ﻳﺘﺒﻴﻦ ﺃﻣﺮ اﻟﺪﻋﻮﺓ ﻭﻳﺘﺤﺪﺩ.. ﺇﻧﻬﺎ ﺗﻜﻠﻴﻒ ﻭﻭاﺟﺐ. ﻭﺭاءﻩ اﻟﻬﻮﻝ، ﻭﻭﺭاءﻩ اﻟﺠﺪ، ﻭﻭﺭاءﻩ اﻟﻜﺒﻴﺮ اﻟﻤﺘﻌﺎﻝ! «ﻭَﻣَﻦْ ﻳَﻌْﺺِ اﻟﻠَّﻪَ ﻭَﺭَﺳُﻮﻟَﻪُ ﻓَﺈِﻥَّ ﻟَﻪُ ﻧﺎﺭَ ﺟَﻬَﻨَّﻢَ ﺧﺎﻟِﺪِﻳﻦَ ﻓِﻴﻬﺎ ﺃَﺑَﺪاً. ﺣَﺘَّﻰ ﺇِﺫا ﺭَﺃَﻭْا ﻣﺎ ﻳُﻮﻋَﺪُﻭﻥَ ﻓَﺴَﻴَﻌْﻠَﻤُﻮﻥَ ﻣَﻦْ ﺃَﺿْﻌَﻒُ ﻧﺎﺻِﺮاً ﻭَﺃَﻗَﻞُّ ﻋَﺪَﺩاً» )
والله أعلم بالصواب
تعليقات
إرسال تعليق