#مثاني_القرآن_فيض
#مثاني_السور_فيض
١- ﴿إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيماوالذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلاإن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا﴾ [النساء: ٥٦-٥٨]
٢-﴿ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراإن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيداإن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدالعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضاولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينايعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراأولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصاوالذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد الله حقا ومن أصدق من الله قيلا﴾ [النساء: ١١٥-١٢٢]
___ __ __ ___ __ __
● لم ترد جملة(والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا) إلا في هذين الموضعين وكذلك كلمة(سندخلهم)
● كلا الموضعين مسبوقين بذكر التبديل . ففي الموضع الأول ذكر تبديل الذين كفروا جلودا غير جلودهم في جهنم ليذوقوا العذاب وذكر قبلها بآيات
﴿ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيلوالله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرامن الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلايا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا﴾ [النساء: ٤٤-٤٧]
- ففيها شراء الضلالة بالهدى وتحريفهم الكلم عن مواضعه والتهديد بتحويل الوجوه بجعل أمامها خلفها . فجوزوا تبديل جلودهم جزاء تبديلهم وجوزوا تكرار انسلاخها جزاء انسلاخهم من الحق . ومنه يفهم أن جزاء المؤمنين الذي لا يتحول ولا يتبدل إنما كان لعدم تبديلهم وتحولهم فهم في ظل ظليل لا يتغير بالحرور ولا يبغون عنه حولا لكراهة أو ضجر أو غير .
وأزواجهم مطهرة لا ينالهن الغير وقد جاءت لفظة "مطهرة" متعلقة بعدم التحريف والتبديل والزوال في قول الله تبارك وتعالى
﴿كلا إنها تذكرةفمن شاء ذكرهفي صحف مكرمةمرفوعة مطهرةبأيدي سفرةكرام بررة﴾ [عبس: ١١-١٦]
وأيضا
﴿لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينةرسول من الله يتلو صحفا مطهرةفيها كتب قيمة﴾ [البينة: ١-٣]
إلا أن ذكر جريان الأنهار فيه التبديل الحسن . ومنه عودة بكارات الزوجات وتغير أشكالهن وزينتهن . وقد جاء ذكر تغير أنواع الفاكهة المتشابهة تغيرا حسنا مقترنا بذكر الأزواج المطهرة في سورة البقرة لأنهن متشابهات كواعب أتراب كأنهن البيض المكنون وتتغير زينتهن وحسنهن ﴿وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون﴾ [البقرة: ٢٥]
والذي يترجح أن ذكر ذلك بعد ذكر تبدل الجلود ليذوق الكفار العذاب ويحسونه يدل على أن للأزواج فاعلية في إحياء أذواق لا تتناهى وإثارة أحاسيس لا تنحصر
ثم جاء ذكر الأمانة والحكم بالعدل . ومناسبته أن اليهود خانوا أمانة العلم فلم يؤدوها بل حرفوا ولما حكموا بين المسلمين والمشركين حكموا للمشركين
﴿ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا﴾ [النساء: ٥١]
روى الطبري ﻋﻦ ﻋﻜﺮﻣﺔ ﻗﺎﻝ: ﻗﺪﻡ ﻛﻌﺐ ﺑﻦ اﻷﺷﺮﻑ ﻣﻜﺔ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ اﻟﻤﺸﺮﻛﻮﻥ: اﺣﻜﻢ ﺑﻴﻨﻨﺎ، ﻭﺑﻴﻦ ﻫﺬا اﻟﺼﻨﺒﻮﺭ اﻷﺑﺘﺮ، ﻓﺄﻧﺖ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻭﺳﻴﺪ ﻗﻮﻣﻚ! ﻓﻘﺎﻝ ﻛﻌﺐ: ﺃﻧﺘﻢ ﻭاﻟﻠﻪ ﺧﻴﺮٌ منه. ﻓﺄﻧﺰﻝ اﻟﻠﻪ ﺗﺒﺎﺭﻙ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ:"ﺃﻟﻢ ﺗﺮ ﺇﻟﻰ اﻟﺬﻳﻦ ﺃﻭﺗﻮا ﻧﺼﻴﺒًﺎ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎﺏ"، ﺇﻟﻰ ﺁﺧﺮ اﻵﻳﺔ)
وعلاقة أمانة المال بالعلم وردت في سياق قول الله تبارك وتعالى
﴿ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمونبلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقينإن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليموإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمونما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون﴾ [آل عمران: ٧٥-٧٩]
أما علاقة الطهارة بالحكم بالعدل وعدم تغيير أحكام الله ودينه فهو واضح من قول الله تبارك وتعالى ﴿رسول من الله يتلو صحفا مطهرةفيها كتب قيمة﴾ والكتب القيمة هي العادلة المستقيمة
قال السمعاني (ﻭَﻗَﻮﻟﻪ: {ﻓِﻴﻬَﺎ ﻛﺘﺐ ﻗﻴﻤﺔ}
ﺃَﻱ: ﺃَﺣْﻜَﺎﻡ مستقيمة ﻋﺎﺩﻟﺔ، ﻭَاﻟْﻜﺘﺎﺏ ﻳَﺄْﺗِﻲ ﺑِﻤَﻌْﻨﻰ اﻟﺤﻜﻢ، ﻭالكتب ﺑِﻤَﻌْﻨﻰ اﻷَْﺣْﻜَﺎﻡ، ﻭَﻓِﻲ ﻗﺼَّﺔ اﻟﻌﺴﻴﻒ ﺃَﻥ اﻟﻨَّﺒِﻲ ﻗَﺎﻝَ: " ﻷﻗﻀﻴﻦ ﺑَﻴْﻨﻜُﻤَﺎ ﺑِﻜِﺘَﺎﺏ اﻟﻠﻪ " ﺃَﻱ: ﺑِﺤﻜﻢ اﻟﻠﻪ)
و النجس والرجس لا يصلح أن يكون نظاما للعالم والحياة ولأنه يصير بمن يتبناه للهلاك
وقد قال الله تبارك وتعالى في سياق الموضع الأول
﴿يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفوراألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل﴾ [النساء: ٤٣-٤٤] الآيات وقد ذكرتها عاليه.
فذكر جل شأنه معالجة التغير غير المستحب الذي يحدث للبدن والعقل ووجوب إزالته لأجل الصلاة .. تلاه التبديل القبيح الذي قام اليهود بشراءهم الضلالة بالهدى .
فلا جرم أن تكون إقامة الصلاة هي أول وظائف الحكم
﴿الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور﴾ [الحج: ٤١]
وعن علاقة الطهارة بالعدالة نجد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم(لَا قُدِّسَتْ أُمَّةٌ لَا يَأْخُذُ الضَّعِيفُ فِيهَا حَقَّهُ غَيْرَ مُتَعْتَعٍ)
والقداسة في اللغة الطهارة
ثم جاء بعد ذكر الأمانة والعدالة ذكر قضية ترك التحاكم للشريعة واستبدالها بالطاغوت
﴿يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيداوإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا﴾ [النساء: ٥٩-٦١]
أن ترتبط الحاكمية بالأزواج المطهرة والظل الظليل هذا الارتباط لهو مما يجعلنا نفهم أن حسن هذه الزوجات بالغ الجلال مهول البهاء مدهش القداسة . وقد وصف حكم الله تبارك وتعالى بالحسن فقال جل شأنه : ﴿أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون﴾ [المائدة: ٥٠]
ووصفت الحوريات ﴿فيهن خيرات حسان﴾ [الرحمن: ٧٠]
أما الجلوس في الظلال ﴿متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان﴾ [الرحمن: ٧٦]
والرفرف الوسائد والعبقري البسط
● أما الموضع الثاني فهو مسبوق بذكر الشرك ومشاققة الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين وقول الله تبارك وتعالى (ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله)
وفي تبديل الفطرة وخلق الله والشرك والانشقاق عن طريقة المؤمنين وإجماعهم
قول الله تبارك وتعالى
﴿فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمونمنيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركينمن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون﴾ [الروم: ٣٠-٣٢]
والله أعلم
تعليقات
إرسال تعليق